سورة النمل - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


{قالت} لهم بلقيس {يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم} قيل سمته كريماً لأنه كان مختوماً، روى ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه سلم قال: «كرامة الكتاب ختمه» وقال ابن عباس: كريم أي شريف لشرف صاحبه، ثم بينت ممن الكتاب فقالت {إنه من سليمان} قرأت المكتوب فيه فقالت {وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} فإن قلت لم قدم إنه من سليمان على بسم الله. قلت: ليس هو كذلك بل ابتدأ سليمان ببسم الله الرحمن الرحيم وإنما ذكرت بلقيس، أن هذا الكتاب من سليمان ثم ذكرت ما في الكتاب فقالت: وإنه بسم الله الرحمن الرحيم {ألا تعلوا علي} قال ابن عباس: لا تتكبروا علي. والمعنى لا تمتنعوا من الإجابة فإن ترك الإجابة، من العلو والتكبر {وأتوني مسلمين} أي طائعين مؤمنين وقيل من الاستسلام وهو الانقياد {قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري} أي أشيروا علي فيما عرض علي {ما كنت قاطعة أمراً} أي قاضية وفاصلة {حتى تشهدون} أي تحضرون {قالوا} يعني الملأ مجيبين لها {نحن أولو قوة} أي في الجسم على القتال {وأولو بأس شديد} أي عند الحرب وقيل أرادوا بالقوة كثرة العدد والبأس والشجاعة وهذا تعريض منهم بالقتال أي إن أمرتهم بذلك قالوا {والأمر إليك} أيتها الملكة أي في القتال وتركه {فانظري ماذا تأمرين} أي تجدين مطيعين لأمرك {قالت} بلقيس مجيبة لهم عن التعريض للقتال وما يؤول إليه أمره {إن الملوك إذا دخلوا قرية} أي عنوة {أفسدوها} أي خربوها {وجعلوا أعزة أهلها أذلة} أي أهانوا أشرافها وكبراءها كي يستقيم لهم الأمر تحذرهم بذلك مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم ثم تناهى الخبر عنها هنا، وصدق الله قولها فقال تعالى: {وكذلك يفعلون} أي كما قالت هي يفعلون وقيل هو من قولها وهو للتأكيد لما قالت ثم قالت {وإني مرسلة إليهم بهدية} يعني إلى سليمان وقومه أصانعه بها على ملكي، وأختبره بها أملك هو أم نبي فإن كان ملكاً قبل الهدية ورجع، وإن كان نبياً لم يقبل الهدية، ولم يرضه منا إلا أن نتبعه في دينه وهو قولها {فناظرة بم يرجع المرسلون} وذلك أن بلقيس كانت امرأة لبيبة عاقلة قد ساست الأمور، وجربتها فأهدت وصفاء ووصائف.
قال ابن عباس: مائة وصيف ومائة وصيفة قال وهب وغيره عمدت بلقيس إلى خمسمائة غلام وخمسمائة جارية، فألبست الجواري لبس الغلمان الأقبية والمناطق، وألبست الغلمان لبس الجواري وجعلت في أيديهم أساور الذهب، وفي أعناقهم أطواق الذهب وفي آذانهم أقرطة، وشنوفاً مرصعات بأنواع الجواهر وحملت الجواري على خمسمائة رمكة، والغلمان على خمسمائة برذون على كل فرس سرج من الذهب مرصع بالجواهر، وأغشية الديباج وبعثت إليه لبنات من الذهب ولبنات من الفضة وتاجاً مكللاً بالدر والياقوت، وأرسلت بالمسك والعنبر والعود اليلنجوج وعمدت إلى حق جعلت فيه درة بقيمة ثمينة غير مثقوبة، وخرزة جزع معوجة الثقب ودعت رجلاً من أشراف قومها يقال له: المنذر بن عمرو وضمت إليه رجالاً من قومها أصحاب عقل ورأي وكتبت مع المنذر كتاباً تذكر فيه الهدية، وقالت: إن كنت نبياً ميز بن الوصفاء والوصائف، وأخبرنا بما في الحق قبل أن تفتحه واثقب الدرة ثقباً مستوياً وأدخل في الخرزة خيطاً من غير علاج إنس ولا جن، وأمرت بلقيس الغلمان فقالت: إذا كلمكم سليمان فكلموه بكلام تأنيث وتخنيث يشبه كلام النساء، وأمرت الجواري أن يكلمنه بكلام فيه غلظة يشبه كلام الرجال، ثم قالت للرسول انظر إذا دخلت، فإن نظر إليك نظراً فيه غضب فاعلم أنه ملك فلا يهولنك أمره ومنظره فأنا أعز منه وإن رأيت الرجل بشاشاً لطيفاً فافهم أنه نبي فتفهم قوله ورد الجواب فانطلق الرسول بالهدايا، وأقبل الهدهد مسرعاً إلى سليمان، فأخبره فأمر سليمان الجن أن يضربوا لبناً من الذهب والفضة، ففعلوا وأمرهم بعمل ميدان مقدار تسعة فراسخ وأن يفرشوا لبن الذهب والفضة، وأن يخلوا مقدار تلك اللبنات التي معهم وأن يعملوا حائطاً شرفه من الذهب والفضة، ففعلوا ثم قال أي دواب البر والبحر أحسن فقالوا يا نبي الله ما رأينا أحسن من دابة من دواب البحر يقال لها كذا وكذا مختلفة ألوانها لها أجنحة وأعراف ونواص، قال: علي بها الساعة فأتوا بها قال شدوها بين يمين الميدان وشماله ثم قال للجن علي بأولادكم، فاجتمع منهم خلاق كثير فأقامهم على يمين الميدان، وعلى شماله وأمر الإنس والجن والشياطين، والوحوش والطير والسباع فاصطفوا فراسخ عن يمينه وشماله، فلما دنا القوم إلى الميدان ونظروا إلى ملك سليمان رأوا أول الأمر الدواب، التي لا يرى مثلها تروث في لبنات الذهب والفضة، فلما رأوا ذلك تقاصرت أنفسهم وخبؤوا ما معهم من الهدايا وقيل إن سليمان فرش الميدان بلبنات الذهب والفضة، وترك على طريقهم موضعاً على قدر ما معهم من اللبن في ذلك الموضع فلما رأى الرسل موضع اللبنات خالياً خافوا أن يتهموا بذلك، فوضعوا ما معهم من اللبن في ذلك الموضع فلما رأوا الشياطين هالهم ما رأوا وفزعوا فقالت لهم الشياطين جوزوا لا بأس عليكم، فكانوا يمرون على كراديس الإنس والجن والوحش والطير حتى وقفوا بين يدي سليمان، فأقبل عليهم بوجه طلق وتلقاهم تلقياً حسناً، وسألهم عن حالهم فأخبره رئيس القوم بما جاؤوا فيه وأعطوه كتاب الملكة فنظر فيه، وقال أين الحق؟ فأتى به فحركه فجاءه جبريل فأخبره بما فيه، فقال لهم: أن فيه درة ثمينة غير مثقوبة وخرزة معوجة الثقب قال الرسول: صدقت فاثقب الدرة وأدخل الخيط في الجزعة فقال سليمان: من لي بثقبها وسأل الإنس والجن، فلم يكن عندهم علم ثم سأل الشياطين فقالوا: نرسل إلى الأرضة فلما جاءت الأرضة أخذت شعرة في فيها ودخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر فقال سليمان ما حاجتك قالت: تصير رزقي في الشجر.
فقال: لك ذلك ثم قال من لي بهذه الخرزة فقالت دودة بيضاء أنا لها يا نبي الله فأخذت الدودة الخيط في فيها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر. فقال لها سليمان: ما حاجتك فقالت يكون رزقي في الفواكة قال: لك ذلك ثم ميز بن الغلمان والجواري، بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم فجعلت الجارية تأخذ الماء بيدها، تضرب بها الآخرى وتغسل وجهها والغلام يأخذ الماء بيديه ويغسل به وجهه، وكانت الجارية تصب الماء على باطن ساعدها والغلام على ظاهره فميز بين الغلمان والجواري، ثم رد سليمان الهدية كما أخبر الله تعالى.


فقال تعالى: {فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله} أي ما أعطاني من الدين والنبوة والحكمة والملك {خير} أي أفضل {مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون} معناه أنتم أهل مفاخرة ومكاثرة بالدنيا تفرحون بإهداء بعضكم إلى بعض، وأما أنا فلا أفرح بالدنيا وليست الدنيا من حاجتي لأن الله قد أعطاني منها ما لم يعط أحداً ومع ذلك أكرمني بالدين والنبوة، ثم قال للمنذر بن عمرو أمير الوفد {ارجع إليهم} أي بالهدية {فلنأتينهم بجنود لا قبل} أي لا طاقة {لهم بها ولنخرجنهم منها} أي من أرض سبأ {أذلة وهم صاغرون} أي إن لم يأتوني مسلمين قال وهب وغيره من أهل الكتاب: لما رجعت رسل بلقيس إليها أي من عند سليمان، وبلغوها ما قال سليمان قالت والله لقد عرفت ما هذا بملك وما لنا به من طاقة. فبعثت إلى سليمان إني قادمة عليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك، وما الذي تدعو إليه من دينك، ثم أمرت بعرشها فجعلته في آخر سبعة أبيات بعضها داخل بعض ثم أغلقت عليه سبعة أبواب، ووكلت به حراساً يحفظونه ثم قالت لمن خلفت على ملكها احتفظ بما قبلك وسرير ملكي لا يخلص إليه أحد، ثم أمرت منادياً ينادي في أهل مملكتها تؤذنهم بالرحيل، وشخصت إلى سليمان في أثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن كل قيل تحت يده ألوف كثيرة، قال ابن عباس: وكان سليمان رجلاً مهيباً لا يبتدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه. فخرج يوماً فجلس على سريره فرأى رهجاً قريباً منه قال ما هذا؟ قالوا: بلقيس قد نزلت منا بهذا المكان وكان على مسيرة فرسخ من سليمان فأقبل سليمان على جنوده {قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرضها قبل أن يأتوني مسلمين} قال ابن عباس يعني طائعين وقيل مؤمنين. قيل: غرض سليمان في إحضار عرشها ليريها قدرة الله تعالى وإظهار معجزة دالة على نبوته، وقيل أراد أن ينكره ويغيره قبل مجيئها ليختبر بذلك عقلها وقيل: إن سليمان علم أنها إن أسلمت يحرم عليه مالها فأراد أن يأخذ سريرها قبل أن يحرم عليه أخذه لأنه أعجبه وصفه، لما وصفه له الهدهد وقيل أراد أن يعرف قدر ملكها لأن السرير على قدر المملكة {قال عفريت من الجن} وهو المارد القوي، وقال ابن عباس العفريت الداهية قال وهب: اسمه كوذي. وقيل: ذكوان. وقيل: هو صخر المارد وكان مثل الجبل يضع قدمه عند منتهى طرفه {أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك} أي مجلس قضائك قال ابن عباس: وكان له في الغداة مجلس يقضي فيه إلى متسع النهار وقيل نصفه {وإني عليه} أي على حمله {لقوي أمين} أي على ما فيه من الجواهر وغيرها قال سليمان: أريد أسرع من ذلك.


{قال الذين عنده علم من الكتاب} قيل هو جبريل. وقيل: هو ملك أيد الله به سليمان وقيل هو آصف بن برخيا وكان صديقاً يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى وقيل هو سليمان نفسه لأنه أعلم بني إسرائيل بالكتاب وكان الله قد آتاه علماً وفهماً، فعلى هذه يكون المخاطب العفريت الذي كلمه فأراد سليمان إظهار معجزة، فتحداهم أولاً ثم بين للعفريت أنه يتأتى له من سرعة الإتيان بالعرش ما لا يتأتى للعفريب قيل: كان الدعاء الذي دعا به: يا ذا الجلال والإكرام وقيل: يا حي يا قيوم. وروي ذلك عن عائشة وروي عن الزهري قال دعاء الذي عنده علم من الكتاب: يا إلهنا وإله كل شيء إلهاً واحداً لا إله إلا أنت، ائتني بعرشها، وقال ابن عباس: إن آصف قال لسليمان حين صلى مد عينيك حتى ينتهي طرفك فمد سليمان عينيه ونظر نحو اليمين ودعا آصف، فبعث الله الملائكة فحملوا السرير يجرون به تحت الأرض، حتى نبع من بين يدي سليمان وقيل: خر سليمان ساجداً ودعا باسم الله الأعظم فغاب العرش تحت الأرض حتى ظهر كرسي سليمان فقال: ما قال {أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} قال سليمان: هات قال أنت النبي ابن النبي وليس أحد عند الله أوجه منك فإن دعوت الله كان عندك: قال صدقت ففعل ذلك فجيء بالعرش في الوقت {فلما رآه} يعني رأى سليمان العرش {مستقراً عنده} أي محولاً إليه من مأرب إلى الشام في قدر ارتداد الطرف {قال هذا من فضل ربي ليبلوني} يعني لتمكن من حصول المراد {أأشكر} أي نعمته علي {أم أكفر} فلا أشكرها {ومن شكر فإنما يشكر لنفسه} أي يعود نفع شكره إليه وهو أن يستوجب به تمام النعمة، ودوامها لأن الشكر قيد النعمة الموجودة وصيد النعمة المفقودة {ومن كفر فإن ربي غني} أي عن شكره لا يضره ذلك الكفران {كريم} يعني بالإفضال عليه لا يقطع نعمة عنه بسبب إعراضه عن الشكر وكفران النعمة {قال نكروا لها عرشها} يعني غيروا سريرها إلى حال تنكره إذا رأته قيل: هو أن يزاد فيه أو ينقص منه وقيل: إنما يجعل أسفله أعلاه ويجعل مكان الجواهر الأحمر أخضر ومكان الأخضر أحمر {ننظر أتهتدي} إلى معرفة عرشها {أم تكون من الذين لا يهتدون} إلى معرفته، وإنما حمل سليمان على ذلك ما قال وهب ومحمد بن كعب، وغيرهما أن الشياطين خافت أن يتزوجها سليمان فتفتشي إليه أسرار الجن، لأن أمها كانت جنية وإذا ولدت ولداً لا ينفكون من تسخير سليمان وذريته من بعده فاساءوا اثناء عليها ليزهدوه فيها، وقالوا: إن في عقلها شيئاً وأن رجلها كحافر الحمار، وإنها شعراء الساقين فأراد سليمان، أن يختبر عقلها بتنكير عرشها وينظر إلى قدميها ببناء الصرح {فلما جاءت قيل} لها {أهكذا عرشك قالت كأنه هو} قيل: إنها عرفته ولكن شبهت عليهم كما شبهوا عليها، وقيل: إنها كانت حكيمة لم تقل نعم خوفاً من الكذب ولا قالت: لا خوفاً من التكذيب أيضاً فقالت: كأنه هو فعرف سليمان كمال عقلها بحيث لم تقر ولم تنكر اشتبه عليها أمر العرش، لأنها تركته في بيت عليه سبعة أبواب مغلقة والمفاتيح معها قيل فإنه عرشك فما أغنى عنك إغلاق الأبواب ثم قالت {وأوتينا العلم من قبلها} يعني من قبل الآية في العرش {وكنا مسلمين} يعني منقادين مطيعين خاضعين لأمر سليمان وقيل: قوله تعالى وأوتينا العلم أي بالله وبصحة نبوة سليمان بالآيات المتقدمة من أمر الهدهد والرسل من قبلها أي من قبل الآية في العرش، وكنا مسلمين أو معناه وأوتينا العلم بالله، وبقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرأة وكنا مسلمين ويكون الغرض من هذا شكر نعمة الله عليه أن خصه بمزيد العلم، والتقدم في الإسلام وقيل معناه وأوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها طائعة وكنا مسلمين لله.
قوله تعالى: {وصدها ما كانت تعبد من دون الله} يعني منعتها عبادة الشمس عن التوحيد وعبادة الله وقيل معناه صدها سليمان عما كانت تعبد من دون الله وحال بينها وبينه {إنها كانت من قوم كافرين} أخبر الله أنها كانت من قوم يعبد ون الشمس، فنشأت بينهم ولم تعرف إلا عبادة الشمس {قيل لها ادخلي الصرح} وذلك أن سليمان لما اختبر عقلها بتنكير العرش وأراد أن ينظر إلى قدميها وساقيها من غير أن يسألها كشفهما لما أخبرته الجن أن رجليها كحافر حمار، وهي شعراء الساقين أمر الشياطين، فعملوا لها قصراً من الزجاج الأبيض كالماء وقيل: الصرح صحن الدار وأجرى تحته الماء، وألقى فيه السمك والضفادع وغرهما من دواب البحر ثم وضع سريره في صدر المجلس وجلس عليه وقيل إنما عمل الصرح ليختبر به فهمها كما فعلت في الوصفاء والوصائف. فلما جلس على السرير دعا بلقيس، ولما جاءت قيل لها ادخلي الصرح {فلما رأته حسبته لجة} أي ماء عظيماً {وكشفت عن ساقيها} لتخوض الماء إلى سليمان، فإذا هي أحسن النساء ساقاً وقدماً إلا أنها كانت شعراء الساقين فلما نظر سليمان ذلك صرف بصره عنها {قال إنه صرح ممرد} أي مملس {من قوارير} زجاج وليس بماء فحينئذٍ سترت ساقيها وعجبت من ذلك وعلمت أن ملك سليمان من الله تعالى واستدلت بذلك على التوحيد والنبوة {قالت ربي إني ظلمت نفسي} بعبادة غيرك {وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} أي أخلصت له التوحيد والعبادة، وقيل: إنها لما بلغت الصرح وظنته لجة قالت: في نفسها إن سليمان يريد أن يغرقني وكان القتل أهون من هذا لما تبين لها خلاف ذلك قالت: رب إني ظلمت نفسي بذلك الظن.
واختلفوا في أمر بلقيس بعد إسلامها، فقيل انتهى أمرها إلى قولها أسلمت لله رب العالمين ولا عمل لأحد وراء ذلك، لأنه لم يذكر في الكتاب ولا في خبر صحيح وقال بعضهم: تزوجها سليمان وكره ما رأى من كثرة شعر ساقيها، فسأل الإنس عما يذهب ذلك فقالوا الموسى. فقالت المرأة إني لم يمسني حديد قط فكره سليمان الموسى وقال: إنها تقطع ساقيها فسأل الجن فقالوا لا ندري فسأل الشياطين. فقالوا: نحتال لك حتى تكون كالفضة البيضاء فاتخذوا النورة، والحمام فكانت النورة والحمامات من يومئذٍ. فلما تزوجها سليمان أحبها حباً شديداً، وأقرها على ملكها وأمر الجن فابتنوا لها بأرض اليمن ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعاً وحسناً، وهي سلحين وبيسنون وغمدان ثم كان سليمان يزورها في كل شهر مرة، ويقيم عندها ثلاثة أيام يبكر من الشام إلى اليمن ومن إلى الشام وولدت له ولداً ذكراً. وقال وهب: زعموا أن بلقيس لما أسلمت قال لها سليمان اختاري رجلاً من قومك حتى أزوجك إياه، فقالت: ومثلي يا نبي الله ينكح الرجال وقد كان لي من قومي الملك والسلطان، قال: نعم إنه لا يكون في الإسلام إلا ذلك ولا ينبغي لك أن تحرمي ما أحل الله قالت: فإن كان ولا بد فزوجني ذا تبع ملك همدان فزوجها إياه وذهب بها إلى اليمن، وملك زوجها ذا تبع على اليمن، ودعا زوبعة ملك الجن وقال له اعمل لذي تبع ما استعملك فيه فلم يزل يعمل له ما أراد إلى أن مات سليمان وحال الحول، وعلم الجن موت سليمان، فأقبل رجل منهم حتى بلغ جوف اليمن وقال بأعلى صوته: يا معشر الجن إن الملك سليمان قد مات فارفعوا أيديكم فرفعوا أيديهم وتفرقوا وانقضى ملك سليمان وملك ذي تبع وملك بلقيس، وبقي الملك لله الواحد القهار قيل إن سليمان ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5